المسكوت عنه في الأزمة الأوكرانية .. حقائق تاريخية تختلط بحسابات سياسي
خلافا لما كان يتداوله الرأي العام العالمي ووسائل الإعلام الغربية سابقا بشأن الحرب الروسية الأوكرانية وتحقيق انتصار محقق لفائدة أوكرانيا، يلاحظ في الآونة الأخيرة بعد اشتداد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية على حلف الناتو وعلى العديد من الدول بفعل غلاء المعيشة على المواطن العادي وتكثف القصف على شرق أوكرانيا وما لذلك من انعكاسات على منظومة الإنتاج العالمية، حيث أدت الأزمة إلى تصعيد التوترات وبداية سقوط بعد الدول مثل سيرلنكا الموالية للصين في سبيل عرقلة مشروع طريق الحرير وخروج عدة مظاهرات في مجموعة من بلدان العالم، (يلاحظ) تغيير ملموس في تصورات عديد من الخبراء والباحثين الغربيين حول الأزمة الأوكرانية مثل تصريح المسمى بالثعلب الدبلوماسي الأمريكي المخضرم هنري كيسنجر الذي حذر من تداعيات هذه الحرب على العالم وضرورة إنهائها من خلال المناداة إلى التفاوض بين الطرفين.
وعليه، يبدو أن حلم الأمريكيين بإضعاف روسيا يعد بعيد المنال. وحتى الآن، استخدم بوتين 15٪ فقط من جنوده، المحترفين أو المتطوعين، و10٪ من طائراته المقاتلة، و10٪ من دباباته، و5٪ من صواريخها. و5٪ من مدفعيته، مما قد يشير إلى طول الحرب ومزيد من التصعيد.
وفي هذا السياق، صدر مؤخرا عن مطابع سوشبريس بالدار البيضاء لغبريال بانون، رجل الأعمال والباحث الفرنسي المعروف في الدراسات الجيو استراتيجية، كتاب جديد هام تحت عنوان “حرب أوكرانيا: ما تحت الأوراق المخفية”، يقدم لنا فيه تحليلاً دقيقا وبدون هوادة لخصوصيات وعموميات الحرب في أوكرانيا بعيدًا عن المسار المألوف، الذي يراه غير صحيح سياسيًا بحكم معارضته للحقائق التاريخية المعروضة التي لا تخلو من الحسابات السياسية.
والواقع، لقد دفعت الحرب المواطن العادي للتساؤل عن الأسباب الحقيقية التي أدت بأوروبا إلى خوض حرب كان من الممكن تفاديها، وما مسؤولية السياسة الأمريكية تجاه أوكرانيا؟ وهل يمكن اعتبار اندلاع حرب أوكرانيا نتيجة حتمية للأخطاء الاستراتيجية والجيوسياسية للولايات المتحدة وحلفائها في بروكسيل؟ وهل تم فعلا استصغار الغرب قدرات روسيا الاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية والتكتيكية؟ وهل يمكن اعتبار نزاع حلف الناتو حصان طروادة في الموضوع؟
لذلك جاء هذا الكتاب ليلقي ضوء مختلفًا على ذلك الذي نقلته حتى الآن غالبية وسائل الإعلام، بفعل تفوقه في طرح النزاع في كل أبعاده التاريخية والجيوسياسية والإعلامية والاقتصادية والدولية.
ومن مميزات هذا المؤلف طرحه للنقاش موضوعا شائكا ومعقدا وذا راهنية، خاصة اعتباره أن الحرب الأوكرانية هي حرب جاءت لتؤسس لقيام نظام ثنائي جديد تتمثل زعامته في أمريكا والصين وضمنه تريد روسيا أن تقول كلمة الفصل فيه لتظل الحرب إعلامية بامتياز و”الحرب خدعة “كما يقال.
لذلك، يدعو الكاتب إلى توخي درجة عالية من الحيطة والحذر في مقاربة الموضوع من خلال تبني الموضوعية والعلمية والحياد اللازمين في البحث والتنقيب حول الأسباب الجوهرية لهذه الحرب المشتعلة اليوم، اعتبارا لتداعياتها الدولية وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية وأبعادها الجيو-استراتيجية الكبرى المتشابكة، وذلك بناء على امتياز توفر الكاتب على وثائق ثمينة وتحاليل مختلفة قد لا يكون الولوج إليها سهلا بالنسبة لملاحظين آخرين. ولقد أقر المؤلف في مقدمة الكتاب بـ”أنه ليس روسيًا ولا أوكرانيًا، إنه فقط عالم جيو-سياسي يدرس الحقائق والوقائع فقط، إنه يمنع عن نفسه أن يكون مؤيدًا أو مدافعا عن قضية ما. غير أنه يرفض بشدة أن يتم التلاعب به”.
ومما لا شك فيه أن تداعيات حرب أوكرانيا، وما تحمله من تبعاتٍ جيو-سياسيّة واقتصادية مركبة، بدأت تضرب مَفاصِل منظومة الإنتاج العالمية التي أصبحت تتميز بالركود التضخمي، الموسوم بارتفاع نسبة العطالة، والتضخم وهبوط الإنتاج، الشيء الذي نتج عنه تعميق البؤس الاقتصادي وارتفاع شدّة مُعاناة الناس في البلدان الغنيّة والفقيرة على السواء، في وقتٍ يُواجِه فيه الاقتصاد العالَمي أكبر اختبار له منذ الحرب العالَميّة الثانية بسبب مخلفات وباء “كوفيد-19” وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية المتمثلة في ارتفاع أسعار الغذاء والطّاقة، وتشديد الأوضاع الماليّة وتعطيل سلاسل التوريد وخَطَر المناخ، إضافة إلى تصاعُد التوتّرات التي قد لا تقف في أوكرانيا بل قد تمتد إلى دول اسكندنافية جديدة عبرت عن رغبتها في الانتماء إلى حلف الناتو، مثل فلندا والسويد، أو الدانمارك التي هي عضو في الحلف، فضلا عن التوترات الكبرى التي أصبحت تعرفها جيو-سياسة البحور والمحيطات باعتبارها تشمل 90% من المبادلات الدولية. وعليه، تم تصنيف البحر الأسود منطقةً عالية المخاطر، مما أدّى إلى رفْعِ أقساط التأمين المطلوبة لشحْن البضائع، وارتفاع كلفة النقل واللوجستية وتأخُّر الشحنات، وازدحام الموانئ.
الواقع، تكتسي الحربُ الروسيّة الأوكرانيّة تداعيات سلبيّة مركبة على الاقتصاد العالَمي برمته، لاسيما على البلدان الأقل نموا التي لا تتوفر على سيادة غذائية، حيث أعرب رئيس الاتحاد الإفريقي ماكي سال عن قلقه عند زيارته لروسيا والتقائه بالرئيس بوتين، محذرا من المجاعة ومناشدا حل الأزمة لكي لا تصبح إفريقيا ضحية هذه الحرب، ونصف دولها تعتمد على روسيا وأوكرانيا في استيراد القمح في ظل أزمة غذائية عالمية متوقعة، ويُرتقب أن تتفاقَم الوضعية أكثر فأكثر، مع “احتمال طول فترة الحرب وتوسيع نِطاقها، وتشديد العقوبات على موسكو، وقيام هذه الأخيرة بفرْض عقوباتٍ مُضادّة على الغرب، حيث يتكلم المحللون اليوم عن ميلاد “حرب اقتصاديّة عالمية”.
ولعلّ أكبر هذه العقوبات وأكثرها تأثيراً، تجميد جزء كبير من حسابات روسيا الخارجيّة البالغة نحو 640 مليار دولار. أمّا موسكو فقد ردَّت بعقوباتٍ تضمَّنت قائمةَ مَنْعٍ طويلة، شملت أساسا بَيع وقودها بالروبل بعيداً عن العملة الأميركيّة، وهي خطوةٍ تهدف إلى إزاحة هيمنة الدولار عن “عَرش الطّاقة والمعاملات الدولية”، الشيء الذي نتج عنه، حسب بعض التقديرات، تحقيق روسيا عائدات بلغت نحو 93 مليار دولار من صادرات الطّاقة الأحفوريّة خلال الـ 100 يوم الأولى من الحرب.
لذلك، يرى الكاتب أن روسيا قد تسخر أو لا تعبأ بالعقوبات المفروضة عليها من طرف الغرب مادامت تستفيد من تضامن وصلابة الشعب الروسي وفضائل الشراكة مع الصين و”مجموعة بريكس”، بشكل عام. غير أن الخاسر الأكبر في هذه الحرب يظل هو الشعب الأوكراني الذي أصبح لعبة في أيدي الكبار (تقسيم البلد، تدمير البنية التحتية والصناعة، فقدان الزراعة، الاستيلاء على احتياطيات الفحم من لدن الانفصاليين). كما أن دخول أوكرانيا في ظل هذه الظروف إلى حلف الناتو يبقى غير مضمون، ووعود الاندماج في الاتحاد الأوروبي لهذا البلد المتنازع عليه ليست ليوم غد.
وهناك أربع خلاصات وحقائق أساسية يمكن جنيها والوقوف عليها في فهم الأزمة:
الطرح البيداغوجي المنهجي التاريخي والتركيبي الدقيق في سبيل تسهيل فهم ما يجري وتفسير رقعة الشطرنج الجيو-سياسية
يرى الكاتب أن البلد حديث النشأة وأنه كان دائما ضحية الأطماع الخارجية، خاصة من لدن جيرانه: اليابان، الرومان، الروس، السويد أو الأتراك والمغول في القرون السابقة، اعتبارا لوضعه الاستراتيجي المتميز، مبرزا أن هذا البلد لم يحصل على استقلاله إلا عند انهيار الاتحاد السوفياتي، وهو يوجد اليوم تحت نيران الحرب مقسما ما بين الموالين للاتحاد الأوروبي والمتواجدين بغرب البلاد الراغبين في الانتماء إلى حلف الناتو وسكان الشرق الموالين لروسيا.
لقد قام الكاتب بدقة ببسط عدة محطات تاريخية تميز تطور هذا البلد من 1654 إلى 1954، غير أن عام 1991 يعد حدثا مفصليا في تاريخ أوكرانيا في التأسيس لبلد مستقل يتمتع بسيادته الكاملة ضمن حدوده الترابية وبروز الأحزاب الوطنية الأوكرانية التي كانت ترى في روسيا مصدر كل المساوئ، غير أن مختلف الحكومات المتتالية كانت تتأرجح دائما ما بين توجه موال لروسيا وآخر موال للغرب وما يثيره هذا الأخير من تهديدات خارجية وهو ما ترفضه موسكو.
لذا، ينبغي البحث في الأسباب الخفية في النزاع المتمثلة في التراث التاريخي الذي ما زال يغذي رؤية روسيا ومهدها في حوض كييف. كانت إرادة أوكرانيا تتجلى في الرغبة لتكون صلة وصل بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، وبالتالي تستفيد من امتيازات اتفاقيات التبادل المبرمة بين الإثنين، غير أنه كان ينبغي لأوكرانيا الاختيار سواء بين الاتحاد الأوروبي أو روسيا (العمق الاستراتيجي للاتحاد الاقتصادي الأورو-آسيوي). وهذا الحدث يعد جوهريا في فهم ما يجري اليوم بأوكرانيا.
ويلاحظ الكاتب بصفة خاصة أن الثورة الشعبية اندلعت في نوفمبر 2013 عندما رفض النظام السلطوي الحاكم توقيع اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لفائدة إبرام ذلك مع روسيا، حيث تم قمع التظاهرة الشعبية وأدى ذلك إلى مغادرة الرئيس فكتور اينكوفيتش الموالي لروسيا البلاد. وهو العامل الأساس الذي كان وراء حرب دونباس وضم القرم، حيث إنه لو لم يتم عزل الرئيس اينكوفيتش لما قامت روسيا بغزو أوكرانيا. هذه الحلقة تعد كذلك مركزية في فهم لعبة القوى الغربية الحاسمة. والمنطق يكمن في منظور استعادة امبراطورية روسيا ماضيها التليد، والعودة إلى حدود زمن العظمة.
ولقد نجم عن إلغاء اتفاقية الشراكة تنظيم مجموعة من المظاهرات والاحتجاجات المتتالية في مختلف مناطق البلاد بين معارض ومؤيد، تميزت بالمشاركة الفعلية لبعض ممثلي الاتحاد الأوروبي والسيناتور الأمريكي في الاستعراض.
ولعل أهمها كان لمساندة اتفاق 21 فبراير 2014 الذي شارك فيه موكب مهم من ممثلي الاتحاد الأوروبي، منهم المفوض الأوروبي ووزير الخارجية الفرنسي لوران فابيس ونظيره الألماني. وخوفا على حياته اضطر الرئيس فكتور اينكوفيتش للجوء إلى روسيا عندما اشتد وطيس إطلاق النار على المتظاهرين ورجال الأمن في ساحة “ميدان” من طرف بلطجية تأكد بعد ذلك أنهم مرتزقة جيورجيون نجم عنه خسائر في الأرواح، حسب تقارير وسائل الإعلام، بتحريض من الولايات المتحدة الأمريكية مقابل صرف مليارات الدولارات لفائدتهم. والغرض كان يكمن في زعزعة الاستقرار في أوكرانيا من أجل إضعاف روسيا وحرمانها من مخزون الحبوب الخاص بها، ومن فحم نهر دونباس وجزء من صناعة الطيران بها، لتكون أمريكا قد نجحت أخيرًا في هذا التنفيذ بعد 25 عامًا من سقوط الاتحاد السوفيتي.
الأبعاد الجيو-سياسية لأزمة أوكرانيا
تتمثل في عنصرين جوهريين: من جهة، هناك قيام الولايات المتحدة بنشر بيادق حلف الناتو في الحدود الروسية المحاذية لبلدان البلطيق وبولونيا ورومانيا رغم التعهدات الشفوية التي قدمت لكوربتشيف والتي يمكن الاضطلاع عليها في محاضر المحادثات، والقاضية بعدم ضم هنغاريا وبولونيا وجمهورية التشيك وباقي البلدان الشرقية إلى حظيرة الناتو. إن السياسة الأمريكية الحالية المتمثلة في التنكر وإدانة الاتفاقيات والتدخل العسكري أو الاقتصادي بأي ثمن، يشدد الكاتب، قد أعادت إلى الساحة الدولية روسيا وهي أكثر قوة اقتصاديًا وعسكريا، حيث سمحت الحرب وظروف النزاع مع الغرب لموسكو ببناء قدرات نووية وإتقان وتطوير تقنيات تكنولوجية جديدة في مجال التسلح، مثل الصاروخ الأسرع من الصوت، الذي يستحيل اعتراضه. كما تمت تقوية علاقاتها مع “مجموعة بريكس” وإنشاء بنك التنمية الجديد كبديل للبنك الدولي وتحييد المعاملة بالدولار الأمريكي.
أما العنصر الثاني فهو يتجلى في فشل السياسة الأمريكية في أوكرانيا التي تميزت بانقسام بلدان الاتحاد الأوروبي بشأن رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا. كما أن شيطنة روسيا جعلت حلف الناتو يحرص على التمدد في الشرق ويدفع بلدان الاتحاد الأوروبي إلى رفع ميزانية الدفاع بها، الشيء الذي نجم عنه توسيع طلب الأسلحة الأمريكية وتأجيل اندماج الدول الشرقية ضمن الاتحاد الأوروبي، فضلا عن خفض التبادل التجاري بين البلدان الأوروبية وروسيا.
ويتساءل الكاتب: هل اندماج أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي هو أصلا كان من أجل الاستفادة من إعانات وقروض الاتحاد؟ وهل مشروع اندماج أوكرانيا اليوم في الاتحاد التابع للولايات المتحدة سيكون لصالح الاتحاد نفسه لاسيما وأن ميول الرئيس زلنسكي ميول أمريكية بامتياز؟ وهل يمكن اعتبار حلف الناتو مجرد حيلة يعني حصان طروادة؟ وكما صرح الرئيس إيمانويل ماكرون “فأوروبا توجد اليوم على حافة الهاوية. لقد فقدت مسار تاريخها”، مستنتجا أن سياسة الناتو العدوانية تجاه روسيا قد جلبت فعلا الحرب إلى أوروبا، وهذا يتناقض مع ما أعلن عنه وحذر منه الجنرال دوغول عندما قال: “أوروبا تمتد من المحيط الأطلسي إلى جبال الأورال”.
التبعية الشديدة للغرب لروسيا
أبرزت أزمة أوكرانيا بوضوح مدى هشاشة الاقتصاد الأوروبي والعالمي على السواء، باستثناء الصين، وتبعيته في عدة مواد أولية، ومدى تفوق روسيا في إنتاج الغاز والبترول والنفط والحبوب والترسانة النووية. وعندما قرر الكرملين الأداء لإمداداته بالروبل، بدا واضحا مدى قدرته على المس بالتفوق الغربي وبالمنظومة العالمية على السواء، حيث اتضح أن احتماء واصطفاف البلدان الأوروبية خلف أمريكا لا يكمن في الدفاع عن أوكرانيا وإنما في إنقاذ وضمان بقاء العالم الغربي.
عوامل جغرافية
توجد سهول أوروبا الغربية بين بحر الشمال وبحر البلطيق إلى ألمانيا وبولونيا وجمهورية التشيك، مما جعل حكام روسيا يحتاطون دائما من مخاطر الهجوم الخارجي وجعل الاستراتيجيين في الكرملين يتجهون إلى مراقبة ولوج هذه المناطق، لأن الأمر يهم ضمان سيادة أمنية، حيث أثبت التاريخ مدى حدة الهجوم الذي يتعرض له البلد من لدن بولونيا والسويد وفرنسا، وأصبحت الإمبراطورية في بداية القرن العشرين مصدر أطماع خارجية بفعل وجودها من أكبر القوى مساحة وسكانا وموارد فلاحية وصناعية وشبكة ربط في سكك حديدية، ولعل هذه القدرات هي التي جعلت مجموعة من الدول الأوروبية التي كانت تحت مأوى المظلة الأمريكية تسارع إلى الاحتماء بحلف الناتو مباشرة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، وهو الاتجاه الذي يتناقض مع إرادة روسيا التي تسعى دائما إلى المحافظة على مناطق نفوذها تجاه جيرانها المباشرين. وهذا يعد من أهم المصادر والأسباب التاريخية لاندلاع أزمة أوكرانيا. ويرى كبار المنظرين في الجيو-استراتيجية أن “من يحكم أوروبا الشرقية يحكم الأرض المركزية، ومن يحكم الأرض المركزية يحكم جزيرة العالم، ومن يحكم جزيرة العالم يحكم العالم”. فلذلك يعتبر الغرب أن تملك رقعا ترابية وجغرافية واسعة من لدن روسيا ضمن العمق الأورو-آسيوي يعد بمثابة تهديد جيو-استراتيجي للتوازن الكوني في كل أبعاده الاقتصادية والعسكرية والبحرية والبشرية، مما يجعل روسيا تعد عدوا شرسا للغرب ينبغي تطويقه ومحاصرته. لكن كيف يمكن الخروج من الأزمة ووضع نهاية للحرب؟
هناك عدة سيناريوهات ممكنة يمكن توقعها في استمرار أو توقف الحرب، مادامت الأزمة قد أتت لتستجيب لأهداف استراتيجية كبرى بعيدة الأمد ومتناقضة وليدة تركة تاريخية وجغرافية. غير أن المواطن العادي اكتشف من خلال النزاع الدائر أن روسيا ليست قزما اقتصاديا كما قد يعتقد البعض وأن البلد يدار بشكل جيد، وهو ما عبر عنه الرئيس بوتين نفسه بقوله: “الشخص الذي لا يندم على زوال الاتحاد السوفيتي، الذي عرف كيف يجمع 73 مجموعة عرقية حول نفس الحلم، ليس لديه قلب، لكن الشخص الذي يرغب في إعادة غزوه فهو ليس ذا عقل”.